هي ليست نظرية مؤامرة، وإنما أخبار يمكن قراءتها يوميا في الصحف الدولية، في ميانمار حيث الاضطهاد البوذي لمسلمي الروهينغيا أو في تركستان الشرقية ـ أو غربي الصين، وما يجري من تجريد للمسلمين الإيغور من هويتهم الدينية أو في الهند التي تهيمن عليها حكومة هندوسية يمينية لا تختلف كثيرا عن الإدارة الأمريكية الحالية في تجريم عموم المسلمين، أو في دول أوروبية عديدة تنشط فيها جماعات اليمين المتطرف وتصعد على أكتاف عدائها للمهاجرين، وأستراليا التي تبحث بعدسة مكبرة عن أخطاء المهاجرين المسلمين على أراضيها.
مجددا هي ليست حكاية من نسج الخيال، على الأقل هذا ما يمكن أن نستدل عليه من خلال قراءة مقالة المؤرخ جون إلفرسكوغ في مجلة Tricycle، الذي يغوص عميقا في سر العداء البوذي المعاصر للإسلام، والإرهاصات السياسية لكل ذلك في أكثر من دولة في الشرق الأدنى.
ويقول إلفرسكوغ إن الرواية التاريخية تقول إن المسلمين عندما دخلوا إلى الهند قاموا بتدمير معبد نالاندا في عام 1202، والذي كان يشكل "منارة علمية للبوذية"، ما أنهى أي أثر للبوذية في الهند.
ويضيف إلفرسكوغ أن هذه الرواية جرى تناقلها كثيرا حتى أصبحت حديث الساعة ومصدرا لإثبات اضطهاد المسلمين للبوذيين، بل باتت مستندا تاريخيا ومرجعا للمصادر العلمية، حتى أنها أصبحت جزءا من مطويات التعريف للسائحين تلخص العلاقة المضطربة بين المسلمين والبوذيين.
ويفند إلفرسكوغ هذه الرواية لسببين رئيسيين يذكر الأول كيف أن التاريخ أثبت صحة عقد الحكّام البوذيين معاهدات مع الجيش المسلم كي يظلوا بموجبها في الحكم. أما الثاني فهو أن معبد نالاندا ظل يعمل كمؤسسة تعليمية قرنا كاملا من الزمان بعد الفتح الإسلامي للهند.
ويوضح المؤرخ بأن من الدلائل التي تنفي هذه الرواية كذلك، سفر الرهبان الصينيين المتواصل إلى الهند للحصول على الكتب والمخطوطات الدينية حتى القرن الرابع عشر، أما الدليل الأبرز فهو بقاء مفاهيم الدرما ـ البوذية ـ في الهند إلى القرن السابع عشر، وبمعنى آخر، ثبت أن البوذية تعايشت مع الإسلام لمدة ألف سنة كاملة، وهو ما ينفي بالتأكيد الهمجية التي ساقها المؤرخون الرهبان عن المسلمين في تلك الحقبة.
ورأى المؤرخ أن هذه المبالغة الكبيرة في تجريم المسلمين، سببها رغبة المؤرخين البوذيين في إيجاد مظلومية تبرر عدم انتشار البوذية في الهند وإلقاء اللوم في ذلك على المسلمين، وهي الذريعة التي التقطها الاستعمار البريطاني بسهولة كي يعزل ويقوض المسلمين في الهند.
واللافت أن هذا التحريف في الحقبة التاريخية المذكورة، عمل على إيجاد الوقيعة والفجوة بين المسلمين والبوذيين في الوقت الراهن.
وأضاف المؤرخ بأن الهندوس يسعون إلى خلق رواية مماثلة في الهند تجرم المسلمين، عبر إظهار الهندوس بأنهم مجتمع كان يعيش في مدينة فاضلة، بغية محو أي أثر للإسلام في التاريخ الهندي.
ويعتبر إلفرسكوغ أن هذه النظريات المعادية للإسلام ليست وليدة الساعة، بل وجدت في التقاليد المسيحية واليهودية التي أرادتا كذلك أن تجرما الإسلام لأنهما رأتا فيه خطرا على وجودهما طالما يدعو إلى كونه خاتم الأديان والصحيح بينها.
الشيء الجديد، يقول إلفرسكوغ إن الكثير من الباحثين يرون أن الغرب استطاع أن يجعل من نفسه نموذجا مثاليا على حساب الدين الإسلامي عبر تخطئته.
ويتهم كاتب المقال، الاستشراق الغربي في المسؤولية عن الترويج لصورة مشوهة عن الإسلام وطمسه عبر اتهامه بالعنف والميل إلى الفوضى، في مقابل تجميل البوذية وتقديمها على أنها دين عصري يميل إلى السلام والسكينة.
مصدر الخبر : Tricycle