الازدواجية الأمريكية بدأت تثير الاستغراب... داخليا على الأقل.
وهنا كتبت تريتا بارسي، في صحيفة The Guardian، موبخة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأنه سلط أنظار الأمريكيين على الخطر المزعوم القادم من المهاجرين المسلمين، وتناسى خطر اليمينيين الأمريكيين من البيض العنصريين، وتجار السلّاح، وحملته، وهواته ممن يقترفون كل حين وآخر جريمة مروّعة في حق الأبرياء من الشعب الأمريكي.
وسألت تريتا السؤال الذي أراد أن يسأله الكثير من المسلمين في الولايات المتحدة: "طالما شكّل المسلمون تهديدا على الولايات المتحدة، فلماذا لا يكون مطلق النار في فلوريدا ومن ماثله، تهديدا أيضا".
وازدواجية المعايير التي طرحتها الكاتبة شرعية وجائزة بل وتثير الأسى. وفيما تتعامى الإدارة الأمريكية عن السوس الذي ينخر المجتمع الأمريكي الجاهز دائما لإطلاق النار على بعضه، يدور الرئيس الأمريكي حول نقطة واحدة تجعل من المسلمين هدفا لسياساته الحاسمة.
وفي كابيتول هيل، تظاهر طلبة أمريكيون بعد مقتل 17 طالبا في مدرسة مارجوري ستونمان دوغلاس الثانوية في باركلاند بفلوريدا. وقد أظهرت هذه الجريمة كم أن الولايات المتحدة هي أقل أمنا من أي وقت مضى، ليس على خلفية "تطرف جماعات قادمة من الشرق الأوسط" بل من وحي المخيلة الأمريكية ذاتها التي تنتهج العنف في أفلامها ونظامها الداخلي، وكثيرا أيضا في سياساتها الخارجية.
واستهجنت الكاتبة الأمريكية تريتا سرعة الحظر الذي فرضه ترامب على دخول المسلمين الأراضي الأمريكية، وإعطائه ظهره للعنف الحاصل في الولايات المتحدة على أيدي أمريكيين بيض.
واللافت أن مقترف الجريمة؛ نيكولاس كروز، كان يمثل خطرا حقيقيا حين كان يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه سيكون مطلق نار محترف في المدارس، وتحدث عن قتل الحيوانات وبحسب أصدقائه فقد كان يحمل أفكارا عنصرية ضد سود البشرة والمسلمين واللاتينيين.
والغريب أيضا أن هناك من يجتهد للبحث عن أسباب التطرف في منطقة الشرق الأوسط ويعزوه إلى المناهج التعليمية، علما أن نواته تشكلت دائما خارج حدود هذه المنطقة وانخرط فيها شباب من الغرب نفسه، لكن لا أحد يتحدث عن ثقافة العنف المتفشية في الولايات المتحدة وفشل "المدارس نفسها" التي باتت تنتج قتلة أخطر بكثير من الجماعات الإرهابية التي تصف نفسها بالإسلامية.